القدس العربي - 14/2/2009
هيفاء زنكنة
سلمت وزيرة الدولة لشؤون المرأة في العراق المحتل نوال السامرائي استقالتها من منصبها يوم 5 شباط (فبراير)، وبعد ايام من اعلان استقالتها، اختفت الوزيرة تماما من على وجه الالة الاعلامية، خلافا لما تعودنا عليه من وزراء ونواب وسياسيي حكومة الاحتلال الذين باتت وجوههم ملصقة على شاشات اجهزة التلفزيون العراقية والعربية، وحضورهم المؤتمرات الصحافية لاعلان التصريحات اكثر من ممارستهم لعملهم او وجودهم فيما يسمى بالبرلمان الذي، غالبا، ما تلغى جلساته لعدم اكتمال النصاب القانوني. اختفت الوزيرة السابقة بدون تعليق او تعقيب. ويساور معارفها واصدقائها القلق على سلامتها وحياتها. فما الذي حدث ولماذا؟تجدر الاشارة اولا الى ان السامرائي كانت قد عينت كوزيرة وفق المحاصصة الطائفية في حكومة الاحتلال، وهي تنتمي الى الحزب الاسلامي، المساهم في عملية الاحتلال السياسية، وكانت نائبة في البرلمان. وتسلمت مهامها في 'الحكومة' اواخر تموز من العام 2008، ورأست، خلال الفترة الماضية، لجنتي النهوض بالمرأة ومكافحة سرطان الثدي. بمعنى آخر انها، من الناحية السياسية، كانت تسير على خطى بقية اعضاء ' الحكومة' ومجلس النواب سواء كانوا ذكورا او اناثا. غير انها سرعان ماغيرت موقفها وقدمت استقالتها قبل اجراء انتخابات مجالس المحافظات، وطلب منها تأجيل الاعلان عنها لحين انتهاء الانتخابات لما قد تسببه من ضجة غير مرغوب فيها في حينه. وبعد اعلان الاستقالة، أخيرا، قام مصدر في الوزارة بابلاغ الصحف القصة الرسمية للاستقالة، مبينا ان اهم اسباب الاستقالة هي أن تخصيصات الوزارة دون مستوى الطموح ودون استحقاق المرأة العراقية. موضحا ان الوزيرة ترغب في العمل بمجالات اخرى تقدم فيها خدمة حقيقية تقابل ما قدمته المرأة من تضحيات. ولم يشر 'المصدر الرسمي' الى الاسباب التي لخصتها السامرائي في رسالتها بالاضافة الى ما ذكرته في مقابلة صحافية اجرتها معها مراسلة صحيفة 'الشرق الاوسط' في بغداد، قبل اختفاء الوزيرة، وهي: ضعف الموارد المخصصة لمواجهة جيش من الارامل والعاطلات عن العمل والمضطهدات والمعتقلات، كونها محدودة الصلاحيات والوزارة لا تتناسب واحتياجات المرأة العراقية، ان الوزارة مجرد 'مكتب استشاري داخل المنطقة الخضراء، ليست له اية صلاحيات'، أن وزارة المرأة ليست لها اية دوائر في المحافظات لانها وزارة دولة. وكانت في تصريحها الاخير قد قالت: 'انا اجلس على كرسي واتمتع بامتيازات وزيرة ولا اؤدي عمل وزير.' وما كانت حكومة الاحتلال المبنية على المحاصصة الطائفية والعرقية والتي يتفشى فيها الفساد والاهدار والجشع بشكل بات السمة المميزة المرسومة على جباه المشاركين فيها، ستهتم بهذه التصريحات لولا انها صادرة من وزيرة عملت داخل 'الحكومة' واطلعت على حيثيات العمل من الداخل، مما يضفي على تصريحاتها ومواقفها اهمية اعلامية وتوثيقية. واستقالة السامرائي هي الثانية بين وزراء الاحتلال. وكان وزير حقوق الانسان العراقي عبد الباسط تركي، قد قدم استقالته الى 'سلطة قوات التحالف' في 8 نيسان (ابريل) 2004، احتجاجا على العمليات العسكرية لقوات الاحتلال في الفلوجة، فضلا عن فضيحة تعذيب المعتقلين في سجن ابو غريب. وكان موقف السامرائي وطنيا، خلافا لكل البقية الباقية من وزراء الاحتلال، عندما سجلت موقفها المعارض لتوقيع اتفاقية العبودية الامنية طويلة الامد وملحقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية مع الادارة الامريكية. وقامت بعد ذلك، وهي واحدة من قلة من نسوة الاحتلال اللواتي تحدثن بصراحة، كما في مقابلتها مع الجزيرة نت، عن معاناة المرأة العراقية المعتقلة والمتعرضة لاقسى انواع الاهانة والتعذيب والاغتصاب، من قبل قوات الاحتلال الامريكية وما تسمى بالشرطة وجهاز الامن العراقي المدرب من قبل الاحتلال وباشرافه. مع العلم، ان نسوة الاحتلال يشكلن، حسب المحاصصة الجنسوية، نسبة 25 بالمئة من اعضاء 'البرلمان' وهي نسبة اعلى مما هو موجود في امريكا نفسها. ولم يحدث ودافعت احداهن عن حقوق المعتقلة العراقية بل، غالبا، ما يلجأن اما الى الصمت أو يدافعن عن سياسة الاحتلال في الاعتقالات باعتبار ان المعتقلات 'ارهابيات' او بعثيات سابقات او صداميات. ان منظور نسوة الاحتلال عن حقوق الانسان هو منظور انتقائي مشوه مثل كل شيء آخر شهده المواطن العراقي تحت الاحتلال، ولاعلاقة له بالمفاهيم الانسانية والقانونية الحقيقية.ان موقف نوال السامرائي، وهي التي كان بامكانها التمتع بالمنصب والمخصصات والايفادات، فضلا عن رضا حزبها عليها، يدل على حس انساني لم تطمره شعارات الحزب الاسلامي الرنانة عن اهتمامه بشأن المعتقلين والمرأة. ولأن حكومة الاحتلال لا تتحمل وجود انسان نزيه وعادل في صفوفها لانه سيفضح فسادها المالي والسياسي وعبوديتها للمحتل، عوقبت الوزيرة المستقيلة بالتغييب عن المجال الاعلامي.فقد كان من المفروض ان تكون معي، عبر الهاتف من بغداد، مساء يوم الاحد الماضي، في نشرة اخبار المساء في تلفزيون بي بي سي العربي، لتوضح اسباب استقالتها بالتفصيل، غير ان هاتفها النقال أغلق قبل دقائق من اجراء المقابلة ومنعت من الحديث ليحل محلها علي الدباغ الناطق الرسمي باسم حكومة الاحتلال.وتدل الاخبار الواردة الينا من بغداد بان الوزيرة ممنوعة من مغادرة بيتها وانها ممنوعة من اعطاء اي تصريح صحافي او اجراء اية مقابلة، وان جوازها وجوازات اولادها الاربعة صودرت منها، لمنع مغادرتها البلد اذا شاءت. فقمنا بالاتصال بعدد من منظمات حقوق الانسان الدولية، ومن بينها منظمة العفو الدولية، وتزويدها بتفاصيل الحدث.ان قضية نوال السامرائي وكيفية معاملتها، سابقا، كوزيرة للمرأة وحاليا كأمراة رأت ان دورها في الحزب والحكومة شكلي لا يزيد عن استخدامها كدمية للزينة ولنيل رضا المحتل الامريكي في خطابه الزائف عن انجازات المرأة تحت الاحتلال، تعكس واقع حقوق المرأة وحرية الخيار التي يتحدثون عنها بالكيلوات في العراق المحتل. فما الذي فعلته الوزيرة لتستحق العقاب؟ هل قامت بعمل ارهابي؟ هل عثر عليه، كما هي التهمة الشائعة الاستخدام، وهي ترتدي حزاما ناسفا لتفجر نفسها في سوق مزدحم بالناس او في جامع؟ أم انها اختلست من الاموال ما هو أكثر من بقية الوزراء، فصار من الواجب فضحها؟ لا هذا ولا ذاك. ان كل ما قامت به السامرائي هو انها حاولت اداء واجبها ثم قدمت استقالتها من المنصب الشكلي بعد ان تحررت من سذاجتها في امكانية التغيير من خلال العمل مع حكومة الاحتلال، وبعد ان ادركت حجم الكارثة التي ألحقها الاحتلال بالمرأة العراقية وهول الجريمة المشتركة التي تتعرض لها سواء من قوات الاحتلال او عملائهم. وهي جرائم يندى لها جبين كل انسان يمتلك بعض الحس الانساني.ان كرامة المرأة العراقية وصمودها واصرارها على ان حقوقها هي حقوق المواطن التي لن تحصل عليها مادام العراق مستعمرا، ينزع، يوما بعد يوم، الاقنعة التي يرتديها المحتل ومستخدموه ودعاة القبول بالامر الواقع. وان دفاعنا عن حرية الدكتورة نوال السامرائي وحقها في التعبير عن رأيها يستند الى رفضنا لانتقائية حقوق الانسان التي يمارسها رجال ونساء الاحتلال، فضلا عن كونها قضية انسانية ازاء امرأة ينتاب معارفها واصدقاءها القلق على حريتها.