على مها السلام
وعلينا العواء
التنويه الأول
هناء إبراهيم- خاص دار بابل
نستمحي القارئ عذرا ونحن نخرج من ذواتنا سعيا لتوثيق ( حادث مؤسف ) مرّ علينا كما مرت ألاف مؤلفة من ( الحوادث المؤسفة ) على مدى خمس سنوات ونيف من عمر عراقنا الذي يعيش تحت الاغتصاب جهرا , وعلنا , وأمام مرأى منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات هيئة الأمم العطوف , والمنظمات النسوية التي هجمت بالآلاف على العراق رافعة راية الاتفاقية الدولية لرفض كل أشكال التمييز ضد المرأة والطفلة ( سيداو), وبينما يتحدث مسوقي الاحتلال عن المبادرة الأمريكية في الذهاب بالديمقراطية الى العراق ويبشرون " بدولة " القانون ,و بينما اعتلى المالكي عرش رئاسة الحكومة الرشيدة , نجد أنفسنا نخوض في وحل الاعرس الوحشية ودماء الطاهرات والعرائس بناتنا الغضات الصغيرات البريئات , مغتصبات في أحضان بيوتهن وأمهاتهن . مهمة التوثيق التي تخرجك من الذات لتقف إزاءها كمجرد ناقل اخرس للحدث , تجعلنا نفقد السيطرة على تقنية المهمة أو النقل , لا لسنا أدوات تسجيل , أو مجرد مكبرات صوت, إننا نحمل في العب دماء ضحايانا وفي أحضاننا أنات المسبيات تتدفق علينا الدماء والأنات , وجعا نبثه بأصواتنا كأدوات تسجيل ولا من مجيب , أشلاؤنا المضرجة بالوجع مرمية في واد سحيق خلف لوائح حقوق الإنسان , ومظاهرات النسوة الأنيقات اللواتي ينادين بالجندر , وإقامة مراكز إيواء للمعنفات من قبل الأسرة والرجل , يبذلن ألاف الدولارات الممنوحة من " مانحين " على ندوات تعقد في الفنادق الفاخرة للتوعية بمفهوم " النوع الجنسي " يطالبن برفع التحفظ عن اتفاقية " سيداو "و بمنح المرأة حريتها ......... وحين نتحدث عن الطفلة مها والطفلة عبير والطفل محمد .... وطفلات أخريات .... وأطفال آخرين .... يدرن وجوههن بلا مبالاة , فليس لقصصنا حصة في أجندة الدورة ولا في أجندة جهة التمويل .... نحن الموثقون لسنا شياطين خرساء , ولا أحبارا غامقة فوق الورق الأبيض لا لسنا ألآت مسجلة فأية " دولة قانون " تعيد لنا ذواتنا التي تستنزف مع نزيف ضحايانا ..... ودماء بناتنا المهدورة اغتصابا ...... هل نقود مظاهرات احتجاج للمطالبة بحقوقنا ؟؟التي تتركز في شعار : كفى قتلا . كفى اغتصابا ...نريد أن نكتب عن الحب لا الاغتصاب , عن الحياة وليس عن القتل والتهجير , عن وطن حر محرر لا عن وطن مستباح بالاحتلال . التنويه الثاني : سمعنا كثيرا أن التحول الى الديمقراطية بالمبادرة الأمريكية التي اتخذت شكل الغزو والاحتلال ...... تستحق مليون ضحية أو مليونين بل سمعنا ترديد ما ردده هتلر من قبل ( أن قتل الثلثين يصح لبقاء الثلث ) من منح مبادرة و بوش في حمل " الديمقراطية " الى العراق حق اغتصاب مها !! فكيف ب( ثلثي الشعب في العراق ) ؟ من يمنح والديّ مها حق محاكمة بوش وإدارته بين البيت الأبيض في أمريكا وبين المنطقة الخضراء في العراق ؟ بل من يطالبنا بالسكوت عن الغضب مقابل المسامحة والتطبيع وتقبيل الأيادي ....فهل على مها التي لم تعد الى أهلها بعد ... " السلام " !!! وعلينا العواء ؟؟؟ التنويه الثالث : إن التأخر في توثيق حادث اغتصاب الطفلة مها عن موعد حدوثه جاء بسبب صعوبة الوصول الى أسرتها , وأمها تحديدا لتقص علينا ما جرى بالتفصيل الموجع حتى الانهيار . فاقرؤوا معنا قصة اغتصاب مها كما روتها والدتها :ـ في ظل " دولة " القانون والخطة الأمنية !!!! نروي الحادث على لسان أم مها ( و. ع . ا ) ونعتذر عن ذكر الأسماء احتراما لطلب ذويها , وهي محفوظة لدينا بكامل الهوية . تتكون أسرة مها من الأم ( و.ع. ا ) مواليد\ 1967 وهي ربة بيت والأب ( ر.ن ) مواليد 1967 كان صاحب محل صياغة قبل أن ينهب , وقبل الحادث المؤسف الذي أصاب كبرى بناته الذي أحاله الى رجل غير متوازن غيبه عن صحوته , يرفض مقابلة أي إنسان , يمتنع عن ممارسة دوره كأب أسرة وزوج ما لم تعد مها حتى لو بكفن ممزق ليدفنها ويهدأ شيء في نفسه . للزوجين سبعة بنات وصبيان الكبرى مها الشهيدة المخطوفة وهي من مواليد (1991 ) , و ( س ) أنثى من مواليد ( 1993 ) و ( ن ) أنثى من مواليد ( 1995 ) . و ( ي ) ذكر من مواليد ( 1998 ) , و ( س ) أنثى من مواليد ( 2000) , و ( ن) ذكر من مواليد ( 2002 ) , و( ا) أنثى من مواليد ( 2007 ) . كانت أسرة مها قد انتقلت من البصرة الى ديالى عام 2000 بحثا عن الرزق حسب أم مها , استقرت الأسرة في مقر سكناها الجديد حتى أوائل عام 2007 إذ أصابتها الفاجعة في وجودها فارتحلت نحو الضياع . السرقة أولا تتحدث أم مها , نمتنع عن وصفها وهي تروي لنا مأساة أسرتها , تنقط لنا الحروف أسى ودم ولوعة وحسرة وانكسار. تقول :ـ يوم 16ـ 12 ـ 2006 , تأخر زوجي عن عودته الى البيت , فقد كان مشغولا بمصيبته , فقد دخلت عصابة الى محله ظهر ذلك اليوم , هددته بالقتل , ثم شد رجال قساة عينيه ويديه , وانهالوا عليه ضربا , واخذوا منه مفاتيح الخزنة ( القاصة ) سرقوا كل ( الحلال ) الذهب والمال , وعندما رجع الى البيت , عاد بحالة مزرية , واخذ مثل المجنون يتنقل هنا وهناك يسأل عن العصابة علها ترد إليه " حلاله " كنت حينها حاملا بأصغر بناتي , وكنا نعيش قلق الوضع الأمني , وشعرنا إننا فقدنا كل شيء , المال والحلال ومصدر الرزق . صمت وبكاء وعويل : تماسكت أم مها وعادت تلقمنا الكلمات لنروي الحدث أمام الضمير العالمي , ولكن ليس للذين يختزلونه بكلمة واحدة : انه صراع مسلح !! ثم ليسوغوا بعدها ألاف قصص الاغتصاب التي تلخص عملية اغتصاب العراق حتى اللحظة السوداء : تتابع أم مها : بعد أسبوع , يوم 25 كانون الأول من عام 2006 تحديدا, وقرب الساعة الخامسة مساء ( اندفر الباب ) وتقصد ( اندفع بركلات ) دخل علينا شباب بعضهم بلباس اسود وملتحون ، وبعضهم بلباس عادي غير ملثمين , وعند الباب وقفت سيارة سوداء كبيرة ( لا تعرف نوعها ) داخلها مسلحون , وحول البيت مسلحون , أربع أو خمس مسلحين هم من هجموا الى داخل البيت , لم يكن زوجي موجودا , وكان يبحث عن حلاله , ليتنا اكتفينا بضياع الحلال وهربنا مباشرة ............. بكاء وعويل ..... وتتابع أم مها :ـ قالوا لنا انه مجرد تفتيش عن الأسلحة وبعض الاستفسارات , عزلوني مع مها داخل الديوانية ( غرفة الضيوف ) وتركوا الأطفال البقية في غرفة أخرى , سألونا عن مذهبنا , قلنا لهم إننا لسنا سنة ولا شيعة . قال احدهم :ـ انتم حلال لنا مالا وعرضا وحياة !!! ............. صمت ......... ونحيب تتماسك أم مها والدموع تغسل وجهها وهي تمسحها بفوطتها وتأخذ نفسا طويلا ثم تتابع :ـ سحبوا البنت من خلف ظهري ...... يريدون فضحنا , حاولت حماية طفلتي , ناشدتهم أن يقتلوني , أن يبعجوا بطني على أن لا يمسوا الصغيرة , يا ناس أنها طفلة , بنت 15 عاما , طفلة ما زالت تلعب , أي رعب الذي عاشته , أي رعب واجهته ........ ضربوني , وضعوا السلاح فوق رأسي ........ المشهد أمامي ............ ابنتي مغطاة بدمائها وهم يتناوبون عليها يا للعار أغمي عليّ ...... لم اعد اسمع صراخ صراخ طفلتي ولا صراخ أطفالي في الغرفة الأخرى .......... عندما صحوت ....... كانت الطفلة فاقدة الوعي , حملوها بدمائها . وأخذوها معهم ...... تتوقف أم مها عن الكلام , ثم تعلق :ـ لا جار فتح الباب ......... لا احد حاول إنقاذنا ....أين حق الجار ؟ غرقت بدمائي , كنت أنزف بشدة , ربك يكتب لي أن أعيش( بهاي) بهذه الدنيا اللئيمة ويكتب لغيري الموت .............. تفاجأ زوجي عندما وجد الباب مفتوحا على مصراعيه , ليس من عادة باب بيتنا أن يشرع على العراء , أغمي على زوجي , فقد صوابه , اخذ يضحك ويبكي (منين يجيبها) من حلاله أو من عرضه !! كانوا هددونا أن لا نبلغ الشرطة , لكنه توجه الى مركز الشرطة ببعقوبة يشكو أمرنا , سألوه بكل برود :ـ هل تملك دليلا !! صرخ في وجوههم اسألوا الناس , الجيران . الكل سيحدثكم عما أصابنا , قالوا له :ـ (روح بابا روح). الطفلة مها ذات الخمسة عشرة عاما اختفت بمجرد أن انتهى عرس اغتصابها الوحشي , لا اثر لها ولا خبر , أعطتنا الأم صورتها , وهي بحوزتنا وليتنا لم نرها, يا لجرح الموَثِق . والأب اليوم يقبع في ركن من البيت , فارغ من الأثاث , يأويه وأسرته , لا يتكلم مع احد , لا يقترب من زوجته ,يضرب أبناءه بدون سبب لاسيما البنات . يصرخ بين الحين والآخر , أريد مها ........... أين مها . ملاحظة : الأسرة تعيش على الصدقات وبعض المساعدات , غارقة بمشاعر الذل , والفاقة والحاجة والرغبة في الموت