منذ احتلال العراق في عام 2003، ورائحة فضيحة مطموسة تتصاعد بين صفوف قوات الاحتلال الامريكي، حتي بلغت، اخيرا، الكونغرس الامريكي. وتتعلق الفضيحة بالتحرش الجنسي واغتصاب المجندات الامريكيات من قبل زملائهن ومواطنيهن من المجندين والضباط ومستخدمي الجيش فضلا عن مستخدمي الشركات المتعاقدة مع وزارة الدفاع، البنتاغون، والجيش لتقديم الخدمات العامة.ومن المعروف ان النساء يشكلن نسبة 15 بالمئة من الجيش الامريكي عموما و11 بالمئة من قوات الاحتلال في العراق وافغانستان. وقد بلغ عدد من أدين الخدمة العسكرية في العراق والشرق الاوسط ما يقارب 192 ألف مجندة منذ عام 2001 وحتي الآن. ولا يخلو سجل الجيش الامريكي من التحرشات الجنسية وحالات الاغتصاب من قبل الجنود والضباط اثناء التدريب او العمل في الولايات المتحدة نفسها الا ان عدد الحالات الموثقة في العراق ونسبتها فاقت مجموع كل الحوادث وفي مختلف الفرق واقسام الجيش سابقا. حيث تشير تقارير البنتاغون الحديثة الي ان مكتب ادارة شؤون المجندين في الادارة الامريكية يواجه مشكلة متفاقمة وهي مشكلة المجندات اللواتي تم الاعتداء عليهن بدرجات مفاوتة من التحرش الي الاغتصاب الفردي والجماعي. وان النسبة، حسب تقرير المكتب، بلغت ثلث المجندات في الجيش الامريكي عموما و71 ـ 90 بالمئة من المجندات في العراق يؤكدن تعرضهن للاعتداء والاغتصاب اثناء ادائهن الخدمة العسكرية. ويشير تقرير منظمة مايلز المعنية بتقديم الخدمات لضحايا العنف اثناء اداء الخدمة العسكرية والتي تعمل علي توثيق حالات الاعتداء والتحرش الجنسي ضد المجندات الي ان 75 ـ 84 بالمئة من المعتدين والمغتصبين من افراد القوات المسلحة يتم تسريحهم من الجيش بسجل مشرف. وتعمل المنظمة علي التوعية بهذه الجرائم ومطالبة وزارة الدفاع بالتعامل معها بشكل جدي خاصة وان نتائجها علي المرأة جسيمة وتقتضي علاجا نفسيا طويل المدي. اذ ثبت بان المرأة التي تتعرض للتحرش والاعتداء الجنسي تعاني من تدهور الحالة النفسية والكآبة وحالات الربو والأرق وفقدان الثقة بالنفس والانكفاء علي الذات. واذا ما اضفنا هذه المعاناة وحاجة المجندات الي العلاج البعيد الامد الي عدد قوات الاحتلال الجرحي والمصابين في العراق الذين تجاوز عددهم المائة ألف، وقدرنا تكلفتها الاقتصادية لادركنا سبب امتناع الادارة الامريكية عن الحديث عن هذه الخروقات والفضائح، خشية ان تتحمل تكاليفها المادية وهي التي تنوء تحت عبء الجرحي والمصابين جسديا وعقليا ونفسيا الذين تحاول التخلص من مسؤوليتها تجاههم، والتي شكلت نقابة المحامين الامريكية لجنة خاصة للدفاع عن حقهم في العلاج في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، مؤكدة بان نسبة القتلي من القوات الامريكية الي الجرحي في العراق هو 1 الي 15. وهي نسبة اعلي بثلاثة أضعاف من نسبة الجرحي في حرب فيتنام نتيجة تطور الخدمات الطبية وطرق حماية القوات في السنين الثلاثين الأخيرة. وتشتكي المنظمات المدافعة عن حقوق المجندات في الرعاية الصحية من قلة المستشفيات الخاصة والاجنحة المخصصة للنساء. والي قائمة المجندات المعتدي عليهن تنضم النسوة العاملات مع الشركات المتعاقدة مع البنتاغون لتوفير الخدمات الصحية والعامة، والشركة التي حازت علي عقود تبلغ مليارات الدولارات في العراق هي هاليبرتن وفرعها كي بي آر (كيلوك براون أند رووت) وهي الشركة التي قامت ثلاث نساء مستخدمات لديها بتقديم شهاداتهن بصدد الاعتداء الجنسي واغتصابهن في 9 نيسان (ابريل) من العام الحالي امام الكونغرس وبالتفاصيل المخيفة المثيرة للتقزز.حيث تحدثت دون ليمون، العاملة في مجال الخدمات الصحية، عن اغتصابها وبطريقة وحشية من قبل جندي ومستخدم معها في كي بي آر في معسكر قرب البصرة. وقد حدث الاغتصاب بعد شهرين من اغتصاب جيمي لي جونز، المستخدمة في ذات الشركة، من قبل زملاء لها وكانت قد وضعت في حاوية لمدة يوم بعد فعل الاغتصاب المشين. وتحدثت سائقة الشاحنات بث كنستون عن حادث اغتصابها اثناء عملها هي الاخري مع نفس الشركة. وقد حاول عدد من رجال القانون، جراء ازدياد حالات الاغتصاب، الضغط علي ادارة بوش لتمكين القضاء من محاسبة المتعاقدين الذين يتمتعون بالحصانة، غير ان شيئا لم يحدث بعد مما دفع السناتور بل نيلسون الي التصريح بان تواجد هذه الاعداد الكبيرة من المتعاقدين في العراق وافغانستان، من نساء ورجال، يعني تعرض النساء الي الاعتداء من قبل المتعاقدين والجنود معا مما يتطلب اجراء قضائيا جديدا .وقد يثار هنا سؤال عن سبب كتابتي عن هذا الموضوع خاصة وانه يتعلق بمجندات ومستخدمات الاحتلال اللواتي لم يجبرن علي الالتحاق بالجيش او العمل في الشركات بل اخترن ذلك بكامل حريتهن. وجوابي هو انني مهتمة بهذا الموضوع لسببين اولا لبشاعة جرائم الاغتصاب عموما. وهذا موقف اخلاقي عام. وثانيا، للربط بين سلوك الجندي والمتعاقد الامريكي مع المجندات وزميلاتهم في العمل وهن من ابناء جلدتهم ووطنهم واستخدامها كمؤشر يبين سلوكهم تجاه المعتقلات والرهينات العراقيات ومن يداهمون بيوتهن فيما يسمي بغارات الفجر بحجة القاء القبض علي(الارهابيين). فهل نحن بحاجة الي ذكر التفاصيل البشعة المهينة التي تعرضت لها نساؤنا وفتياتنا من قبل قوات الاحتلال ومرتزقتهم في طول البلاد وعرضها في المعتقلات وخارجها وكيف ان حكومة الاحتلال وأحزابها اما لزمت الصمت تجاهها أو طالبت بتشكيل لجنة للتحقيق فيها ولم نسمع شيئا بعد ذلك لا عن اللجنة ولا عن نتائج التحقيق، بل وبلغت روح العبودية لدي حكومة الاحتلال واحزابها ان تستجدي بقاء قوات الاحتلال بكل طريقة متيسرة لديها وبضمنها، في الاشهر الاخيرة، العمل علي توقيع اتفاقية الذل طويلة الأمد، الذي وصفها عدنان الدليمي رئيس جبهة التوافق بأنها (ستؤدي إلي حماية العراق من أي اعتداء خارجي. وأن بنود الاتفاقية تؤكد علي تحقيق الأمن والاستقرار في العراق وحمايته من التدخلات الخارجية). مما يدفعنا الي سؤال الدليمي: ومن الذي يحمينا من جرائم الابادة وانتهاكات حقوق الانسان واغتصاب وتعذيب النساء والصبيان وائمة الجوامع من قبل قوات الاحتلال والمتعاقدين الامنيين ومستخدمي شركات الاحتكار الدولية الذين ستبقيهم في بلادنا؟ ومن الذي يحمينا من جيش الميليشيات الذي دربه جيش الاحتلال الامريكي والبريطاني؟ وهل يتذكر المسن الدليمي جرائم الاحتلال البشعة التي ادانها العالم كله المرتكبة في معتقلات الاحتلال وكيف انها نفذت بناء علي المذكرة المكتوبة بتاريخ 12 تشرين الاول (اكتوبر) 2003 من قبل الجنرال ريكاردو سانشيز التي تمنح قوات الاستخبارات العسكرية الامريكية صلاحية مطلقة في كيفية التعامل مع المعتقلين ونشرت صحيفة الواشنطن بوست المذكرة بتاريخ 22 آذار (مارس) 2004 لتثبت بان تعذيب المعتقلين العراقيين من نساء ورجال واطفال ليس عملا مقتصرا علي حفنة من المحققين فقط بل انه سلوك شامل لقوات الاحتلال بدءا من القيادة وحتي القاعدة؟ وهل يتذكر مؤيدو الاتفاقية من الطالباني والبارزاني والحكيم الي الهاشمي وعادل عبد المهدي تفاصيل شهادات المعتقلين والمعتقلات المنشورة عن بشاعة الاعتداءات الجسدية التي تعرضوا لها أم انهم، جميعا، يشاركون الدليمي في سهوه؟ وفي تقرير نشر علي موقع المارينز في معسكر الفلوجة بتاريخ 21 نيسان (أبريل)، ان قوات المارينز في المعسكر تقوم بتدريب مجموعة من النساء اطلقت عليهن اسم (أخوات الفلوجة) للعمل مع (اخوانهن) من رجال الشرطة في نقاط السيطرة المتحكمة بالدخول الي مدينة الفلوجة، لتفتيش النساء ولاعدادهن للقتال مستقبلا. ولم نسمع بعد تعليقات أهالي الفلوجة الباسلة أنفسهم علي هذا الخبر. وفي التقرير، تقول احدي (اخوات الفلوجة) بانها بدأت العمل مع القوات لانها ادركت بانها ليست عدوة لها وانها باتت تشعر بالقرب من المارينز. وهذه قصة قد تفرح بعض الداعيات الي مساواة المرأة بالرجل، ولكن... بناء علي معاملة المارينز وغيرهم من القوات للنساء العاملات معهم من مجندات ومستخدمات، وبناء علي جرائمهم التي نادرا ما سلمت امرأة منها في العراق، واستنادا الي ان الامريكيات المغتصبات انفسهن قد فشلن في مقاضاة مرتكبي الجرائم بحقهن لانهم يتمتعون بالحصانة القانونية، هل سأتهم بمعاداة المساواة الجنسوية للمرأة في (العراق الجديد) اذا ماتساءلت عن كيفية معاملة المارينز وبقية قوات الاحتلال لأخوات الفلوجة العاملات معهم، وعما اذا كانوا سيعاملونهن بشكل مختلف عن معاملتهم لمواطناتهم الامريكيات؟